عائلةروبرتسون وقصة (العهد بينهم ان لا يأكل بعضهم البعض)
جمع وإعداد وتنسيق /سوزان الشمري
أثناء سفرهم حول العالم عام 1972 تعرض قارب عائلة روبرتسون لهجوم من الحيتان فوجدوا أنفسهم عالقين لأسابيع على طوافة صغيرة، وأجبروا على شرب دم السلاحف وقتل أسماك القرش واستخدام الحقن الشرجية لترطيب أجسادهم، في معركة قاسية من أجل البقاء على قيد الحياة.
بدأت قصة عائلة روبرتسون -كما سردها سيمون هاتنستون على صفحات غارديان- عندما سمع دوغلاس روبرتسون (18 عاما) صوتا قويا صاحبه رفع مركبهم الشراعي “لوسيت” فوق البحر، فصرخ “ما هذا؟ لا بد أننا نغرق”، ثم نظر إلى والده فاكتشف أن الماء بلغ كاحله، ثم نظر من فوق كتفه فرأى “3 حيتان أوركا، الأب والأم والطفل بينها، وكان رأس الأب مفلوقا وهو ينزف بشدة
التفت الشاب إلى والده الذي بلغ الماء ركبتيه وقد أدرك أن الحيتان هاجمت المركب الشراعي، فقال دوغال “اتركوا السفينة، نحن نغرق”، “نتركها إلى أين؟” فأشار دوغال إلى المحيط، وهو بالفعل يعني ذلك، بعد أن كانت العائلة أبحرت قبل 17 شهرا.
دوغال قبطان سابق متميز، ترك البحرية التجارية في الخمسينيات ليبدأ حياة جديدة بعد أن اشترى مزرعة ألبان وأسس أسرة مع زوجته ليندا، ولكن حياة البحر ظلت تسكنه، وبعد مرور 20 عاما كان يشعر بالملل ولا يجد لحياته معنى، حسب الكاتب.
كانت الحياة بطيئة ومملة، وأبرز حدث يومي هو ظهور عربة لأخذ الحليب الذي أنتجته أبقارهم إلى مانشستر، وفي أحد الأيام تبع اثنان من أطفاله العربة إلى المزرعة المجاورة حيث توقفت لالتقاط المزيد من الحليب، فسأل نيل والده: هل هذه هي مانشستر؟ فقال “إلى هذا الحد يمكن أن يكون أطفالي أغبياء؟”، وهذا ما أدى إلى اعتقاده بأن أطفاله تضرروا بسبب تربيتهم الريفية”.
ببساطة أحب ذلك
قرر دوغال أن هناك شيئا واحدا يجب فعله: التخلص من المزرعة وشراء يخت، وإخراج الأطفال من المدرسة، والإبحار حول العالم لتعليمهم الحياة، قال لهم ذلك ولكنه ببساطة أحب أن يفعل ذلك.
انطلقوا في يناير/كانون الثاني 1971، وكانت آن أكبر الأطفال فقد كانت تبلغ من العمر 18 عاما ودوغلاس 16 عاما، أما التوأم نيل وساندي فيبلغان 11 عاما، فكانت السنة الأولى رائعة، من إنجلترا إلى البرتغال إلى جزر الكناري، فمنطقة الكاريبي وجزر الباهاما وميامي عبر قناة بنما، ثم إلى جزر غالاباغوس.
أمضوا نحو 6 أشهر في ميامي للعمل على كسب المال لدعم الجزء التالي من رحلتهم، وهناك قررت آن ترك رحلة الإبحار، لكنهم التقطوا راكبا جديدا في بنما هو المحلل المالي روبن وليامز (23 عاما) الذي وافق على دفع سعر رمزي وتعليم الأطفال اللغة الإنجليزية والرياضيات مقابل سفره حول العالم.
كانوا في رحلة مدتها 45 يوما إلى جزر ماركيساس بجنوب المحيط الهادي عندما صدمتهم الحيتان، فطلب دوغال من دوغلاس رمي الزورق والطواف في البحر، مما أدى إلى كارثة أخرى”، فلم يبق لهم إلا الطوافة بعد أن غرق الزورق، وأدرك دوغلاس أنهم محاطون بنحو 20 من الحيتان.
ألقى دوغلاس الطوافة في الماء وبدأت في التمدد وشرع ينقل عائلته إليها، وكان آخر من وصل إليها وهو يقول لنفسه “هذا هو الأمر يا دوغلاس، هذه هي الطريقة التي ستموت بها، سوف تأكلك الحيتان القاتلة
وسرعان ما أدرك الركاب مدى اليأس الذي كان عليه الوضع، كانوا على بعد مئات الأميال من الأرض ومعهم طوافة وزورق غمرته المياه، وكان لديهم من المياه والطعام ما يكفي لمدة 10 أيام، ولكنهم لم يصلوا إلى الأرض خلال 10 أيام.
كانت ليندا هي التي عبرت عما كانوا يفكرون فيه جميعا، قالت “دوغال، هل سنموت أم أن لدينا فرصة؟”، لم يعرف دوغال الجواب، فسأل دوغلاس: في حال تمكنا من إعادة القارب إلى العمل هل ستوافق على التجديف لمسافة 250 ميلا للعودة إلى جزر غالاباغوس وإطلاق ناقوس الخطر؟ فرد دوغلاس بالنفي “لا أستطيع، إنها مهمة حمقاء، على أي حال أفضّل أن أموت هنا معك على أن أموت وحدي
قطع العهود
أعادت الأسرة تقييم الوضع “قطعنا تعهدات لبعضنا، أهمها أننا لن يأكل بعضنا بعضا، سنموت بهدوء إذا كان الأمر كذلك، وسنبحث عن سفينة إنقاذ، ستكون هذه أفضل فرصة لنا للخروج من هذا الوضع”، ثم اتجهوا نحو منطقة الركود، حيث تلتقي الرياح التجارية الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية وهم يعتقدون أنهم يمكنهم العثور على مياه الأمطار العذبة هناك.
وبعد 6 أيام اكتشف التائهون سفينة، وكانت معهم قنبلتان مظليتان و3 قنابل يدوية، فقلت “يا أبي، أطلق الشعلة على السفينة وليس في الهواء”، ثم فقدوا فرصة الإنقاذ “كان الأمر مدمرا، وبكينا”.
لم تبق لديهم سوى 4 أيام من المياه المعلبة، وكانوا يحصلون على ما تبقى من الطعام، وذات يوم قفزت سلحفاة على الطوافة، فقلت “أبي، يمكننا أن نأكل هذه”، ولكنهم وجدوا صعوبة بالغة في قتلها، ثم دخلوا أسبوعهم الثاني وكانوا يعانون من الجوع، وعندما جاءت سلحفاة أخرى ذبحوها وشربوا دمها “كنا نظن أننا قد نكون قادرين على العيش على السلاحف”.
وصلوا إلى حالة الركود بعد 12 يوما وانتظروا المطر أياما “ومع مرور الأيام أصبحت الطوافة أسوأ فأسوأ، وقد أحدثت سمكة ثقوبا فيها كانت تتسرب منها المياه، وأصبنا بالدمامل إذ كنا غارقين طول الوقت في الماء”.
بعد 17 يوما على الطوافة أمطرت السماء بغزارة وجمعوا الماء وملؤوا الحاويات وغنوا وفرحوا، كان دوغلاس هو المجدّف الرئيسي، وكان دوغال القائد والأم هي التي تتولى الرعاية، أما روبن فكان متحدثا لا يسكت، فحافظ على معنويات الجميع مرتفعة من خلال أحاديثه المبهجة.
أما التوأم “فقد أبقونا صادقين بشأن تقنين الطعام والماء، كنا نفعل ذلك من أجلهم، أقسمت أمي وأبي أن عليهما إعادتهما إلى المنزل، ومع حطام الطوافة تم نقلهما إلى الزورق الصغير”.
بعد 5 أيام نفد الماء، فكان يمسكون بأسماك الدورادو ويمصون ما في جسدها من الرطوبة، قبل أن يدركوا أن أسماك القرش تتبعهم، وبالفعل قبضوا على سمكة قرش وقطعوا رأسها و”أكلناها وشعرنا بالارتياح
سفينة الإنقاذ
مرت 5 أسابيع ولا توجد حتى الآن أي إشارة على الإنقاذ، ولكن الأسرة نجت بلحم القرش المجفف والمياه العذبة من مقل وفقرات الدورادو “كنا نتحدث عما سنفعله عندما نصل إلى المنزل، فقال روبن إنه سيعمل في فندق لأنه لا يريد الابتعاد عن الطعام مرة أخرى، وقلت “سأذهب إلى البحر”، فقالت والدتي “حسنا، أنت في البحر”، فقلت “نعم، ولكنني سأذهب إلى البحر بشكل صحيح”، وأرادت أمي العودة إلى الحياة الزراعية، أما دوغال فقال إنه لن يفعل ذلك أبدا
وفي يوم 23 يوليو/تموز 1972 كانت العائلة تتحدث عن افتتاح مقهى في أحد الأيام عندما صاح دوغال “هناك سفينة، قم برفع الجسور”، فقال “دوغلاس، أعد القارب، لدينا مشعلان إلى اليسار، الأمر يستحق الفرصة، إنها تقترب حقا”.
كانت سفينة صيد يابانية في طريقها إلى قناة بنما “أشعل دوغال الشعلة وأمسكها حتى عرف أن القبطان رآه ولكن طاقمه ظن أنهم قراصنة، وفي النهاية وافق القبطان على تغيير المسار بمقدار 20 درجة لإلقاء نظرة، فأشعل دوغال الشعلة الثانية، لكنها فشلت، ولكن السفينة أدركت أنهم ليسوا قراصنة عندما رأوا امرأة وطفلين على متن الزورق.
وفي غضون 10 دقائق كانت السفينة بجانبهم وألقت لهم بحبل، وتم إنقاذهم بعد 38 يوما، وعادت العائلة إلى منزلها في منطقة بيك، وهناك انفصل دوغال وليندا بعد عام “لأنهما أدركا ما فعلاه بالعائلة، شعرا أنهما عرّضانا لمثل هذا الخطر”.
كتب دوغال كتابا من أكثر الكتب مبيعا، وكسب ما يكفي من المال لشراء يخت لنفسه ومزرعة لليندا، ثم خطط لإكمال رحلته حول العالم، لكنه توقف في اليونان وبقي هناك، ويعيش على قاربه، ثم ذهب روبن للعمل في مجال التمويل وبدأ التوأم في الدراسة، أما دوغلاس فدخل البحرية
نقلاً عن الجزيرة الوثائقية
/المصدر : غارديان
أفراد عائلة روبرتسون لدى سفرهم من فالموث (صورة أرشيفية من الإعلام البريطاني)
المركب الشراعي الخشبي الخاص بالعائلة (صورة أرشيفية من الإعلام البريطاني