مقالات

من الذكريات اللي ما أنساها في طفولتي …. بقلم الكاتبه فاطمه الصفيان

إذا دخل‏ موسم المانجا كان أبوي دايم يشتري كمية تكفينا
‏ كلنا نقعد حوله ننتظر نصيبنا، كان يعطينا اللبّ
‏ ويأكل هو القشور كنت أستغرب من تصرفه وش
‏ معنى هو ياخذ القشر؟ سألته مره وقلت: ليه يا
‏ أبوي تاكل القشور وتترك اللب لنا؟

ليه تاكل قشور المانجا يا أبوي؟

‏طالع فيني وهو يبتسم وقال: آكلها أنا عشان ما تاكلها إنت

‏ما كنت فاهم وش يقصد وقتها، وقلت يمكن متعوّد من أيام فقره وهو صغير،
‏مع إن طعم القشور مو شين، بس أبد ما يجي مثل حلاوة اللب،

المهم مع الأيام نسيت موضوع قشور المانجا وكثير من الذكريات مثلها
‏لحد قريب جاب لي صديقي مانجا كهدية من بلد بعيد
‏كنت أتمنى أستمتع بطعمها اللي ينافس عسل النحل وأنا راجع البيت
‏ولما وصلت بدأت أقطعها واللب الذهبي والعصير الملكي يطلع بين يدي
‏الحقيقة إني أحب هالفاكهة كثير ،

قبل ما آكل أول قطعة قربت بنتي الصغيرة
‏ وقالت أبي أبي قطعة
‏ابتسمت وعطيتها القطعة اللي في يدي
‏وبعدها جاء أبويي يطلب نفس الشي
‏ولحقتهن أختهم الثالثة تطلب حصتها مثلهم
‏فرحتي كانت كبيرة وأنا أشوفهم يملخون وجوههم بالمانجا، والسعادة تلمع في عيونهم مثل شمس الصبح الدافئة بعد ليلة برد قارس ،

وفي لحظة لقيت نفسي قدام صحن فاضي إلا من قشور المانجا اللي بعدها فيها شوية فتات من الفاكهة الأصلية

‏بدأت آكل القشور بدون ما أفكر، وفجأة توقفت وتذكرت كلام أبوي رحمه الله

‏الآن بعد كل هالسنين فهمت معنى كلامه، وغصّت اللقمة في حلقي ونزلت الدموع من عيوني ،

الحين بس عرفت إن سعادة أبوي الحقيقية ما كانت في أكل قشور المانجا،
‏بل كانت في فرحته وهو يشوفنا ناكل أفضل جزء قدامه
‏كانت فرحته كبيرة وهو يشاهدنا ناخذ أجود وأحلى ما عنده
‏وسألت نفسي والدموع في عيوني:
‏كم مرة قدّم لنا أبوي المانجا، وهو اكتفى بالقشور بس؟!

وأنا هنا ما أقصد الفاكهة نفسها، لكن كل شي ترمز له في الحياة!!
‏المانجا ممكن تكون ملابس، بيت، فراش، نوم مريح، تعليم
‏وممكن تكون لمسة حنان على الكتف، قبلة على الوجه، أو مسح دمعة من الخد!!

‏(( والله، مانجا الأهل ما لها حدود، ولا أحد يقدر يحدد قيمتها ))

أشوف حولي أولاد ما يقدرون أهلهم مثل ما يستحقون، وكأن دور الأهل بس يكونوا سبب مشاكل في حياتهم

‏أشوف أولاد غرورهم كبير، يحسبون نفسهم أذكى وأفضل من أهلهم

‏أشوف أولاد يقدسون كلمة الزوجة أكثر من دموع الأم أو الأب

‏أشوف أولاد يهجرون أهلهم في دور رعاية ويتركونهم لرحمة ناس ما يعرفونهم ،

أشوف أولاد يقاطعون أهلهم سنين طويلة

‏أشوف أولاد يتمنون زوال أهلهم بسرعة عشان يرثونهم

‏أشوف كل هذا، وفي داخلي لو بيدي، أضحي بعمري كله عشان يرجع الزمن وأقعد مع أبوي يوم واحد
‏وأسبقَه لما يجيب مانجا، وآكل القشور بداله عشان يبقى له أحلى جزء فيها ،

حتى لو سألني ليش أحب أكل قشور المانجا؟
‏أقول له:
‏(آكلها أنا عشان ما تأكلها أنت)

‏إهداء لكل من أبوه او أمه باقي بيننا، عسى الله يهدي قلوبهم

‏اللهم اغفر وارحم آبائنا وأمهاتنا، واجعلهم من أهل الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين ،

وفي الختام :
هذه القصة ما هي قصتي، لكنها قصة حكاها لي صديق من زمان وما زلت متأثر فيها حتى اليوم ، وانا بدوري قرأتها ونشرتها لكم .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال ممتاز ، ولكن الاب ذكر مع الاولاد عندما الشاب صاحب القصة بتوزع المانجو عليهم ( الهديه من صديقه )
    وبعد ذكر انه تذكره بسب هذا الموقف رحمة الله عليه

    هل كان مع الاولاد حياً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى