مقالات

الخوف من الحسد والعين .. بين الحقيقة والوهم … بقلم الكاتب عبدالقادر بن سليمان مكي

في مجتمعاتنا العربية، لا يزال الخوف من الحسد والعين هاجسًا يؤرق الكثيرين، حتى بات سببًا في تقوقع البعض وانعزالهم عن الحياة، خوفًا من أن تصيبهم عين حاسدة تسلبهم نعمهم. لكن إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الخوف مبررًا؟ وهل حقًا كل المصائب التي تصيب الإنسان تعود إلى الحسد، أم أن هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار؟

لا أحد ينكر أن الحسد والعين حقيقة، كما جاء في الحديث النبوي: “العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين”، لكن المشكلة تكمن في تحميلهما مسؤولية كل ما يحدث في حياتنا من مشكلات، متجاهلين أن الابتلاءات جزء من سنن الله في الحياة. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ”.

يروي أحد الأصدقاء أنه بعد تعرضه لخسارة مالية كبيرة ومرض أحد أبنائه، بدأ يعتقد أن السبب هو الحسد، لكن عندما سُئل: هل يمكن أن يكون الأمر اختبارًا من الله أو نتيجة قرارات غير موفقة؟ تردد قليلاً ثم أدرك أنه لم يفكر في هذا الاحتمال من قبل.

إن ثقافة تعليق المشاكل على “شماعة الحسد” أصبحت منتشرة بشكل كبير، حتى بات البعض ينسى مراجعة نفسه أو اتخاذ خطوات عملية لحل مشاكله، مكتفيًا بالبحث عن “العين الحاسدة” التي أصابته. هذا التفكير قد يقود الإنسان إلى العيش في دائرة من الخوف والوهم، تمنعه من التطور والسعي، بل تجعله أسيرًا لمخاوف غير واقعية.

وهنا يبرز التساؤل الأهم: هل نحن نواجه مشكلاتنا بحكمة ووعي، أم نبحث عن شماعة نعلق عليها أخطاءنا؟

الإيمان بالحسد لا يعني الهروب من المسؤولية أو تجاهل الأسباب المنطقية للمشكلات. علينا أن نوازن بين التحصين بالأذكار والتوكل على الله، وبين التفكير العملي في حلول مشكلاتنا. فالحياة مليئة بالاختبارات والتحديات، ولم يُخلق الإنسان ليكون ضحية للخرافات، بل ليكون صانعًا لحياته، مدركًا أن كل ما يصيبه هو لحكمة يعلمها الله.

في النهاية، علينا أن نسأل أنفسنا: هل نعيش أسرى للخوف من الحسد، أم أننا نتحلى بالإيمان والتوكل مع السعي والعمل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى