
“أعمال لا تُوزَن لعظم أجرها” …. وأجرها على الله بغير حساب .. بقلم الإعلامي عبدالله بنجابي
إن يوم القيامة هو يوم الجزاء والحساب، تُنصب فيه الموازين لوزن الأعمال، ويُجازى كل إنسان بما عمل من خير أو شر. ولكن هناك أعمال عظيمة اختصها الله تعالى بفضل خاص، فلم يجعل ثوابها مقيدًا بوزن ولا حد، بل جعل أجرها مطلقًا عليه سبحانه وتعالى؛ لعظمها ومنزلتها.
وهذه الأعمال التي وردت الإشارة إلى عظم أجرها، وأنها تُجازى بـ “غير حساب” أو أن أجرها على الله مباشرة، هي: العفو عن الناس، والصبر، والصيام.
- العفو عن الناس: فـ أجره على الله
العفو والصفح هو دليل قوة النفس وسمو الروح، وهو مرتبة أعلى من العدل. أن تعفو عن شخص أساء إليك، وتترك حقك لوجه الله تعالى، هو تجارة رابحة مع الخالق.
لقد أوضح الله تعالى عِظم هذا العمل ولم يحدد له أجرًا معلومًا، بل جعله تفويضًا مطلقًا لكرمه وعطائه:
قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (سورة الشورى: 40).
في هذه الآية الكريمة، لم يقل الله “فله كذا وكذا حسنة”، بل أطلق الأجر وجعله على ذاته العلية، وهذا يدل على أن هذا الأجر غير محدود ولا يحيط به الوصف، جزاءً للعافي الذي قهر نفسه وغضبه ابتغاء وجه ربه.
- الصبر: جزاء بغير حساب
الصبر هو جوهر الإيمان وعموده، وهو حبس النفس عن التسخط والجزع على ما فات أو ما نزل من بلاء. والصبر أنواع؛ صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على الأقدار المؤلمة.
ولِعظم مقام الصابرين، خصهم الله بأجرٍ جزيل لا يخضع للعد أو الحساب:
قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر: 10).
“بغير حساب” تعني أن ثوابهم لا يُكال ولا يُوزن، بل يُصب عليهم صبًا بلا نهاية، فيُزاد على ثواب عملهم ولا يقتصر على قدره، وذلك لشرف الصبر وعظيم مكانته عند الله.
- الصيام: عمل لي وأنا أجزي به
الصيام هو العبادة الوحيدة التي انفردت بنسبة الله لها؛ لأنه سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه أحد إلا الله. فالصائم يترك شهواته وطعامه وشرابه ابتغاء مرضات الله، وهذا الترك الخفي هو ما جعل أجره متميزًا.
في الحديث القدسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» (متفق عليه).
قوله سبحانه: “وَأَنَا أَجْزِي بِهِ” يدل على أن الجزاء عليه سيكون جزاءً يليق بكرم الله وجوده وعظمته، فهو جزاء بلا حدود، أعظم من أن يقدر أو يوزن بالموازين المعتادة.
النداء العظيم يوم القيامة
وفي ذلك اليوم المهيب، حيث يُنادى على الناس بأسمائهم وأعمالهم، سيكون هناك نداء خاص لأصحاب هذه الأعمال العظيمة. يُروى أن منادياً ينادي يوم البعث:
“أين الذين أجرهم على الله؟ فـيُقبل الصابرون والصائمون والعافون عن الناس”.
وهذا النداء هو تكريم عظيم لمن تركوا حظوظهم في الدنيا من راحة النفس (بالصبر)، أو انتقامها (بالعفو)، أو شهواتها (بالصيام)، وجعلوا أجرهم خالصًا على خالقهم.
فلتكن هذه الأعمال الثلاثة دستورًا لحياتنا:
اصفحوا طمعًا في أن يكون أجركم على الله.
اصبروا يقينًا بأن أجركم يوفى بغير حساب.
صوموا محبةً في أن يتولى الله جزاءكم بنفسه.
جعلنا الله وإياكم ممن يُنادى عليهم بهذا النداء، ويتولى جزاءهم رب كريم.



