مقالات

التوازن سر السعادة وهو منهج للحياة من غير إسراف ولا تقتير بقلم عبدالله بنجابي

إن الإسلام دين التوازن والوسطية، وهو يقدم للحياة البشرية منهجاً فريداً يضمن السعادة والرضا من خلال الابتعاد عن طرفي النقيض: الإسراف (الإفراط والتجاوز) والتقتير (التضييق والبخل). تتجسد هذه القاعدة الذهبية في توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، والتي تناولت سبل العيش الأساسية من مأكل ومشرب وملبس. فقد أحل الله الطيبات بشرط الاعتدال، فجاء في الأثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما: “أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخِيلَةً”، كما أمرنا النبي ﷺ بالتوازن في الحديث الجامع: “كُلُوا، واشْرَبُوا، والبَسُوا، وتصدَّقوا، من غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ”.

إن مفتاح الرضا والسعادة يكمن في إقامة الحياة على منهج القصد، الذي يحمي الإنسان من الوقوع في آفتين مذمومتين. فالإسراف هو التجاوز عن الحد المعقول في الإنفاق أو الاستهلاك، وهو لا يقتصر على التبذير المالي فحسب، بل يشمل الإفراط في الأكل والشرب والملبس الذي يتجاوز الحاجة إلى حد المباهاة والخيلاء. وتكون نتيجته الهلاك المادي، والضرر الصحي، وتحويل النعمة إلى غفلة، بالإضافة إلى توليد المخيلة (التكبر والتعالي) على الآخرين، وهي آفة قلبية مدمرة حذّر منها الحديث الشريف. وعلى النقيض، يأتي التقتير، وهو البخل والتضييق على النفس والأهل رغم توفر القدرة، وهو حرمان للنفس من التمتع بما أحل الله من طيبات، ومذموم شرعاً لأنه يتنافى مع إظهار أثر نعمة الله على العبد، وتكون نتيجته الشقاء والحرمان، وجحود لفضل الله.

تتجلى قيمة الوسطية في تكملة الحديث النبوي الشريف: “فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ”. هذه العبارة هي الإطار الذي يحدد التوازن المطلوب؛ حيث يُشرع للمسلم أن يظهر أثر غنى الله عليه في هيئته وحياته، فيأكل ويشرب ويلبس بجمال ونظافة. هذا الإظهار هو شكر عملي لله تعالى، ويجب أن يكون خالياً من المخيلة، أي لا يكون القصد منه التفاخر على الفقراء أو الاستعلاء على الناس، بل يكون من باب الشكر والتجمل. العبد الذي يعيش حياته دون أن يضيّق على نفسه (تقتير) ودون أن يتجاوز الحد (إسراف)، هو من حقق التوازن. فهو شاكر لله على رزقه، ومستمتع بالطيبات، ومتحصن من آفات التكبر والتبذير، وهذا هو سر السعادة الحقيقية والرضا الدائم.

إن المنهج النبوي في العيش يُقدّم وصفة متكاملة للتعامل مع الموارد والملذات: الاعتدال في الاستهلاك، والبعد عن التكبر في المظهر، والسخاء دون تبذير. هذا التوازن هو الذي يضمن استدامة النعم على الفرد والمجتمع، ويجعل حياة المسلم عبادة وشكراً، لا غفلة وبطراً.

أسأل الله أن يكتب لك ايها القارئ الكريم سعادة لا شقاء بعدها. 🤲

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى