مقالات

‏رحيل العقلا .. وآلام العقلاء

بقلم المستشار الإعلامي
عبدالغني ناجي القش
يحار البنان، وتتجمد الأركان،وتقف العبارات عاجزة عن التعبير؛ فمناقب ومآثر هذه الشخصية الفذة
معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية السابق (رحمه الله) يصعب حصرها،ويستعصي جمعها
وقد عملت معه طيلة فترة قيادته مديرا للجامعة الإسلامية، وقد كنت قريبا منه في معظم خطواته الجليلة وأعماله الكبيرة التي لا زال منسوبوا الجامعة يتفيأون ظلالها الوارفة
وكانت البداية من القاعة التاريخية ثم مباني الكليات ، فمشروع إسكان أساتذة الجامعة ومنسوبيها، والملاعب الجديدة وقاعة الاحتفالات، والملاعب والمسبح وغيرها
حيث كان يخطط لإقامة مضمار للخيل، وأيضا قاعة كبرى تستوعب آلاف الحاضرين
في فكر يخرج من نطاق المحلية ليعانق العالمية
ووجدت فيه خصائص ومناقب قل أن توجد في شخص آخر
‏ولا أدري من أين أبدأ من التواضع ولين الجانب ،أم من الأدب الجم والخلق الرفيع
‏فقد كان -رحمه الله – يتعامل مع الجميع على مسافة واحدة وهذه الميزة يندر أن تجد من يتعامل بها
نثر حبه بين الجميع ،فتلقوه بالمودة والرحابة
وأصبح جميع من يعمل في الجامعة الإسلامية يلتف حوله، وكأنك تشاهد فريقا واحدا يعمل وبكل الإخلاص
إن الإدارة بالحب من أهم المميزات التي كان يتمتع بها الفقيد رحمه الله
وقد كتبت حينها مقالا تم نشره بهذا العنوان
كما أنه كان محبا للخير ،حريصا على أن ينال ذلك الخير كل من يعمل في الجامعة في وقته
وتلاشت جميع مظاهر الشحناء بين الموظفين على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم
فقد كان يوجه بألا يتعطل أحد سواء في مجال الترقية أو في مجال التخصص وكذلك المكان الذي يود أن يعمل فيه
وهذا خلق جوا رائعا، انعكس على نفسيات الجميع
فتجدهم يمكثون في المناسبات إلى ساعات متأخرة من الليل، وفي صباح اليوم التالي تجد الجميع حاضرا، لم يتأخر أحد منهم أبدا
كان كثير الصفح عن الموظفين وأذكر حينها أنه سن إقامة حفل سنوي للمتقاعدين من منسوبي الجامعة (باقتراح شخصي من كاتب هذه السطور) فسقط اسم أحد المتقاعدين سهوا ، فلم يلم أحدا، بل سأل من يعرف منزل ذلك المتقاعد، ليأخذ بنفسه هديته وشهادته ويسلمها له في بيته الذي كان يبعد عن الجامعة قرابة 15 كيلو مترا
إنها أخلاق الكبار الذين لا يرون أحدا أقل منهم أبدا ، بل يتعاملون مع الجميع على قدم المساواة
‏إن من يكتب عن هذه القامة الإدارية والهامة المجتمعية، ومن عرفه عن قرب أو تعامل معه ،فإنه سيكتب عنه بالعبَرات قبل العبارات ؛فقد غرس حبه في نفوس جميع من حوله، واستطاع أن يستحوذ على قلوبهم ، ويستقطب على مشاعرهم
ونظرة واحدة على حب طلاب الجامعة له يكفي لإقناع الجميع بما بلغت مودة هذه الشخصية من مكانة سنيّة في النفوس
وقد انتقل إلى رحمة “رحمه الله”بعد معاناة مع المرض
أسأل الله أن يجعلها كفارة لسيئاته ورفعة لدرجاته
ولا نقول وداعا، فقد رحل جسده فقط، وبقي عهده ومدرسته لجميع الأجيال القادمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى