
نظرية القنفذ
الكاتبة ندى صبر
نحن نسعى دائماً لبناء شبكة من العلاقات، التي تُشكِّل جزءاً من هويّتنا ونمونا الشخصي ،ولأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويطمح دائما للاستقرار في حياته، ويحتاج للأمان والاهتمام والراحة، والمودة والسعادة.
ولن تدوم هذه المشاعر، الا بالوسطية والتعامل باتزان، مع الاشخاص الذين نتعايش معهم، لاننا نحتاج لبعضنا، مع العلم لانستطيع أن نحيا منعزلين، برغم أننا خلقنا مختلفين ومنفردبن، ولايوجد إنسان نسخة طبق الأصل عن الآخر،
ولكن الاقتراب الشديد من الناس أحيانا لا يكون موفقا، بقدر ما هو استنزاف للمشاعر والاحاسيس، وأفضل العلاقات وأكثرها ديمومة ،هي المبنية على الاحترام المتبادل، دون تجاوز الحدود من كلا الطرفين.
نحن نحتاج للاتزان بين الاختلاط والتباعد، وذلك بضبط المسافة الامنة، ولو أن الشمس اقتربت منا ميلاً واحداً فقط، لأحرقت الأرض، ولو ابتعدت عنا ميلاً لتجمد كل ماحولنا.
أن إدارة المسافات فن يجب علينا تفهمه وإتقانه، لانكن بعيدين حد العزلة والقطع، ولا قريبين حد الاندماج والتمادي.
كما تعلمنا من نظرية القنفذ ،فالنظرية بإختصار هي رسالة مضمونها، الحفاظ على مسافة الأمان بينك وبين الآخرين..
والأهم تطبيقها على العلاقات الإنسانية..
الرسالة ثرية ،وهي في قصة ذكرها الفيلسوف الألماني ( شوبنهاور ) تقول *« إن مجموعة من القنافذ اقتربت من بعضها في إحدى ليالي الشتاء المتجمدة طلباً للدفء ، وهرباً من الجو الجليدي شديد البرودة، لكن المشكلة أنّ الشوك الذي على جسم القنفذ يجعل عملية تقاربه مع أبناء جنسه صعبة ومؤلمة ، نظراً لأنهم كلّما اقترّبوا من بعضهم فإن الشوك الذي على أجسامهم يؤذيهم ،مما يسبب لها المزيد من الألم. فيقرّرون الابتعاد عن بعضهم، ثم يشعرون بالبرد يجمد أطرافها، وبحاجتها للدفء في أحضان أصدقائها! فيقتربون مرة أخرى وهكذا
بقوا على هذه الحال بين ألم الاقتراب، وهجير الانفصال؛ الا أن القنفذ وجد حلاً لهذه القضية ، واستحدث طريقة بسيطة ناجحة ، وهي عملية سماها شوبنهار الـ safe distance ( المسافة الآمنة ) ، فاستطاع القنفذ أن يختار مسافة معينة من السلامة ، مسافة تضمن له الدفء الكافي ، وفي نفس الوقت أقل درجة ممكنة من الألم.
ختاما العلاقة الإنسانية بدون حدود، تكثر فيها المشاكل وتصبح سلبياتها أكثر من إيجابياتها ،ويكون ذلك سبب لعدم نموها، لذا نحرص على ضبط مسافة أمنة مع الآخرين، احتراما لخصوصية كلا الطرفين ،حتى وإن كانا أقرب المقربين، وايضا لضمان طريق للرجعة.