مقالات

قاعدة خمسة خمسة .. لا تمنح التافه أكثر من حجمه بقلم الكاتبحمد حسن التميمي

في لحظات الانفعال حين تتراكم الضغوط أو يحدث ما لا نتوقعه، نسمح للمواقف الصغيرة بأن تسرق منا طاقتنا وتفسد مزاجنا وتشغل تفكيرنا لساعات أو حتى أيام. نغرق في تحليل كلمة قيلت، أو تصرف لم يعجبنا، ونمنحه من وقتنا ومشاعرنا أكثر مما يستحق. لكن قاعدة خمسة خمسة تأتي لتوقظنا من هذا الغرق، وتهمس لنا بلطف: إذا لن يؤثر عليك بعد خمس سنوات، فلا تمنحه أكثر من خمس دقائق من القلق أو الانزعاج.
هذه القاعدة ليست مجرد نصيحة عابرة، بل فلسفة في التعامل مع الحياة. هي دعوة لأن نعيد ترتيب أولوياتنا العاطفية، وأن نمنح كل موقف حجمه الحقيقي، لا أكثر. حين نطبقها، نبدأ في التحرر من عبء التفاصيل، ونستعيد قدرتنا على العيش بخفة، دون أن نثقل أرواحنا بما لا يستحق.
تخيل أنك تلقيت نقدًا غير مبرر، أو واجهت موقفًا محرجًا، أو شعرت بالإحباط من تصرف أحدهم. قبل أن تغرق في التفكير، اسأل نفسك: هل سيهمني هذا بعد خمس سنوات؟ هل سيكون له أثر حقيقي على حياتي؟ إذا كانت الإجابة لا، امنحه فقط خمس دقائق من التفكير، ثم تجاوزه. لا يعني ذلك أن تتجاهل مشاعرك، بل أن تديرها بوعي؛ أن تمنحها المساحة المناسبة، ثم تتركها تمضي.
ابدأ بتطبيق هذه القاعدة في المواقف اليومية. حين تشعر بالانزعاج، توقف، خذ نفسًا عميقًا، واسأل نفسك هذا السؤال البسيط. ستندهش من عدد المواقف التي لا تستحق أن تشغل بالك. ستكتشف أن كثيرًا مما يزعجك اليوم لن يكون له أي أثر بعد سنوات، وربما حتى بعد أيام. هذا الإدراك وحده يمنحك قوة داخلية، ويحررك من الانفعال الزائد.
ومع مرور الوقت، ستلاحظ أن حياتك أصبحت أكثر هدوءًا، وأنك أصبحت أكثر نضجًا في التعامل مع الآخرين. ستتوقف عن منح كل موقف سلطة على مزاجك، وستبدأ في اختيار ما يؤثر عليك، ومتى، وبأي طريقة. ستصبح أكثر اتزانًا، أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على العبور من المواقف الصعبة دون أن تفقد نفسك.
ستبدأ في بناء حياة فيها مساحة للهدوء، للتأمل، وللتركيز على ما يستحق فعلًا. ستدرك أن القوة لا تعني أن تكون قاسيًا، بل أن تكون قادرًا على تجاوز ما لا يستحق. وربما بعد أسابيع من الالتزام، ستجد نفسك أكثر صفاءً، أكثر خفة، وأكثر قدرة على العيش بسلام داخلي لا يتأثر بكل ما يحدث حولك.
في النهاية، قاعدة خمسة خمسة ليست مجرد رقم، بل مرآة تُظهر لك كم تملك من القوة، وكم من حياتك لا يزال في متناول يدك. هي تذكير بأنك لست مجرد متلق لما يحدث، بل صانع لما سيكون. لا تنتظر أن تُصفى الحياة من التحديات، بل تعلم كيف تُصفي داخلك من الفوضى. لأنك حين تختار ردك، تختار مصيرك، وكل يوم يمنحك فرصة جديدة لتكون أنت، لا مجرد انعكاس لما يحدث حولك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى