مقالات

الصحة النفسية للإنسان

للكاتب الإعلامي عبدالقادر بن سليمان مكي
سعى الإسلام من خلال تشريعاته إلى تهذيب النفس وتخليصها من أدران الشر ونوازع الباطل وجعلها بذلك سليمة معافاة قوية قادرة على الفعل الإيجابي والإصلاح المجتمعي تمهيداً لأن يكون المسلم مواطناً صالحاً ،
وعلى هذا الأساس تعد الصحة النفسية من أسمى مقاصد الإسلام لما لها من دور في إصلاح الفرد وتأهيله لخدمة المجتمع في ما يعود عليه بالنفع العام وهكذا قصدت التشريعات إلى تخليص الإنسان من كل ما يمكن أن يجعله فرداً سلبياً غير ذي نفع وتتحقق الصحة النفسية بعدة أمور متواشجة لا تنفصل يكمل بعضها بعضاً ويبعث الإيمان في قلب المسلم يقيناً مطلقاً بالأمان والراحة والطمأنينة فبه يقتنع أن الله هو المدبر المسير والخالق الرازق الهادي إلى سواء الصراط فما على المسلم والحال هذه إلا أن يوجه اهتمامه وتركيزه إلى ما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع العميم بعيداً عن فلسفة التشاؤم والشك فكل ما كان وما يكون مقدر من الواحد الفرد الصمد ،
إن الإيمان بالله وعبادته أصل الطمأنينة التي هي نور غيبي يُقذف في القلب محققاً الشعور بالتوازن، والإيمان في عمقه شعور بمعية الله، لذلك كان أكثر الأسباب تحقيقاً للصحة النفسية التي تقوم على الطمأنينة وتعد الصلاة عمود الدين وأسّه بها يربط المسلم صلته بربه ويرتاح من تعب الحياة أرحنا بها يا بلال وفي الصلاة ترسيخ لحاجة الإنسان إلى مدد من السماء يعينه على غربته الحياتية ويقويه على مواجهة أمواج الحياة العاتية إنها ارتقاء إلى مدارج السمو فيها يحس الإنسان بإنسانيته كما يحس بقدره وقيمته وبأنه غير مستطيع أن يعيش دون فيض رباني ونور إلهيّ ومدد سماوي يبعث في نفسه الراحة.
وبالصلاة يجتنب الإنسان الفواحش والمنكرات {إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ} ويفضي ذلك إلى سلوك يومي يشمل الفعل والقول ومعنى ذلك أن الصلاة يمتد مفعولها وتأثيرها إلى تهذيب اللسان والقلب وما يرتبط بهما وفي الصلاة مفارقتان غريبتان تجتمعان فيها وحدها يتخلص المسلم من الطاقة السلبية ويعبّئ طاقة إيجابية تقويه وكل ذلك في السجود والتلاوة والدعاء والركوع، وكلما انحنى المسلم عابداً سما في مدارج الرفعة وارتقى والذكر عادة يومية يمارسها المسلم تشحنه بطاقة إيجابية مصدرها خفي وتبعث في النفس حياة وقوة، وبهذه العبادة ترتاح القلوب {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وبالإعراض عنها تقسو القلوب وتتجهم الوجوه وتغلظ الطباع {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} وذكر الله استشعار لمعية الخالق الدائمة وطلب المدد منه في كل لحظة فيه يدوم الاتصال الذي لا ينقطع بمجرد الانتهاء من الصلاة والقرآن بلسم شافٍ للنفوس والقلوب المرهقة من تعب الحياة وهو بعد ذلك دواء إلهي في قراءته يكلمك الله فيكون ذلك مدخلاً لطمأنينة قلبية تصير معها النفس جنة يانعة، والغفلة عنه تجعل النفس صحراء قاحلة يباباً وبه تتجدد الصلة بخالق السماوات وتشفى الصدور وفي زجره ونواهيه تحذير للنفس من مغبة التكبر والتسلط والإذاية وهو بذلك يمارس فعلاً تربوياً تهذيبياً يدفن به نوازع الشر في النفس الإنسانية، ويحقق بذلك الصحة النفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى