مقالات

“الرسائل التي لم تُرسَل”

هناك كلمات تبقى عالقة في القلب مهما حاولنا تجاهلها… نكتبها ثم نتردد، كأننا نخشى أن تُغيّر شيئًا لا نملك شجاعة مواجهته.

لم تعد الرسائل تلك الورقة المطوية التي تُخبأ في درج ما أو بين صفحات كتاب. اليوم أصبحت الرسائل أكثر سرعة، لكنها ما زالت تحمل نفس المشاعر التي نخشى التعبير عنها.

الرسائل التي لم تُرسَل لم تعد تُكتب على الورق، بل تحولت إلى نصوص محفوظة في مسودات الهاتف، أو كلمات كُتبت في لحظة صدق ثم ترددت في إرسالها. ربما ضغطت على زر “حذف”، أو تركتها مُعلقة تنتظر شجاعة لم تأتِ بعد.

تكتب لأنك غاضب. تتراجع خوفًا من أن تُفسد شيئًا لا تريد خسارته. تكتب لأنك مشتاق. تحذف كأنك تخشى أن يظهر ضعفك بين السطور. تكتب لأنك نادم. تتردد لأنك تظن أن الوقت تأخر. تكتب لأنك أحببت. تتراجع لأنك خفت ألا تجد في الطرف الآخر نفس الشعور.

هذه الرسائل لا تُحذف حقًا. تبقى عالقة في ذاكرتك، تظهر أمامك كلما فتحت المسودات، كأنها تقول لك في كل مرة: “أنا ما زلت هنا، أنتظر أن تمنحني فرصة للوصول.”

قد تكون رسالة اعتذار كُتبت في لحظة صدق، أو رسالة شكر ظلت في ذهنك دون أن تجد لها وقتًا مناسبًا، أو ربما رسالة حب كتبتها بكامل مشاعرك ثم اخترت أن تبقيها بينك وبين نفسك.

بعض هذه الرسائل تُكتب فقط لتريحك، لا لتصل. فأنت أحيانًا تكتب لأنك بحاجة لأن تُخرج ما في داخلك، حتى لو كنت تعلم أنك لن تضغط على زر “إرسال” أبدًا.

لكن هناك رسائل تستحق أن تصل. رسائل قد تُصلح ما ظننته انتهى، أو تُعيد شخصًا كنت تظنه غائبًا للأبد. قد تُنهي سوء فهم استمر طويلًا، أو تُخفف وجعًا يحمله قلبك منذ سنوات.

إذا كنت تحمل رسالة في داخلك منذ زمن، رسالة تُثقل صدرك وتعود إليك كلما نظرت في هاتفك أو أغلقت عينيك، فلا تتركها تُطاردك. اجلس واكتبها مرة أخرى، ثم اسأل نفسك: “هل سأندم أكثر إذا أرسلتها… أم إذا احتفظت بها؟”

إذا كانت الإجابة الأولى، فأرسلها ولا تفكر كثيرًا. وإن كانت الثانية، فابتسم، لأنك كتبتها لنفسك فقط، وهذا يكفي.

الرسائل التي لم تُرسَل ليست دائمًا كلمات ناقصة. أحيانًا هي الطريقة التي يخبرنا بها قلبنا أنه حاول أن يتحدث لكنه قرر في النهاية أن يصمت، كطفل أراد أن يبكي لكنه خاف أن يُزعج أحدًا فاختار الصمت.

بعض الكلمات تُقال، وبعضها يكفي أنها قيلت في القلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى