مقالات

(مجرد فضفضة) جريمة نرتكبها بحق انفسنا بقلم الدكتور حرب العايش

(البوح )او الفضفضه بلغتنا الدارجه هي تلك المساحة التي نلتجئ إليها في لحظة صدق وصفاء مع الذات
مشاعر كثيرة وشائكة ربما يصعب على البعض تفسيرها او حتي مجرد الاقتراب منها فيجدون في البوح سبيلا لفهم أنفسهم وما يخالج تلك النفس
وما الذي تريد تلك النفس بالضبط
وفي أحيان كثيرة يكون هذا البوح مجرد فضفضة عابرة للتخفيف عن ما يكنه القلب وما يجول في الروح من أحاديث تحتاج للمشاركة فقط مع من نأمنهم ونثق بهم وبمدى حبهم وقربهم وصدقهم معنا
لكننا احياناً نغفل جانب مهم
متى نبوح ولمن نستطرد ونتحدث عن أمور وتفاصيل قد تكون بالنسبة لنا حساسة جدا هل نبوح ونفضفض لمجرد الفضفضة فقط ؟
متي أستطيع تحديد أن تكون الفضفضه آمنه ؟
فلا بد اولآ من الوقوف مع الذات دائما وغربلة ما يمكن قوله وما يجب أن يظل بعيدا عن ألسنة الناس إذ إن الاعتدال بالبوح وسيلة لحماية النفس من الأذى والاستغلال.
فليس كل شيء يقال بسهولة
في مقال بصحيفة “وول ستريت جورنال” كتبت إليزابيث بيرنشتاين “غالبا ما نندم على ما كشفناه، ثم نشعر بالقلق أكثر بشأن ما يفكر فيه الطرف الآخر وقد نشعر بالحاجة إلى (إصلاح الموقف )الأمر الذي قد يؤدي في الغالب إلى المزيد من الثرثرة إنها دوامة قاسية
لذا فإن البوح قد يصبح بدون قصد منا . فخا في بعض الأحيان نعاني منه طويلا وخاصة إذا لم نعرف لمن نبوح
فنحن نجد في حديثنا مع من نراه كاتم أسرارنا راحة كبيرة
لكننا أيضا نظل محتفظين ببعض الأمور لأنفسنا وكأنها الخطوط الحمراء التي لا يحق لأحد مهما كانت مكانته الاقتراب منها.
لاننكر ان الضغوطات الكثيرة وربما الألم أيضا يجعلان الإنسان غير واعٍ لما يقول، فيكشف أوراقه جميعها دون أن يفكر بخطورة ذلك عليه وبأنه قد يكون فريسة لمطامع بعض البشر ممن يجيدون التصيد والأذى فيشعره ذلك بالندم لاحقا
فمهما كانت ثقتنا الكبيرة بمن نبوح لهم لا تعني أن نسلمهم كل أسرارنا ونعطيهم بأيدينا الحبل ليقوموا بلفه حول رقابنا فنحن لا نعرف متى يخون المنصتون ومتى يكون الأذى فنا ممتعا يحترفه البعض ممن يبحثون عن زلات الناس وأخطائهم لتكون أداة لاستفزازهم واستغلال ضعفهم
فقوة الإنسان تكمن في غموضه وليس في أن يكون كتابا مفتوحا للجميع دون أي حدود او فواصل
لا ننكر أن البوح في الطب النفسي مهم جدا بالنسبة للرجل والمرأة وإن كانت المرأة تميل له أكثر بحكم أنها تتربى منذ الصغر على أن تعبر عن نفسها بالكلام. لكن للبوح محاذير عدة يجب الالتفات لها والأخذ بها حتى لا يكون سببا في الأذية والاستغلال
ففي البداية من الضروري أن يعرف الإنسان لمن يبوح
فهو سيتحدث في أمور تخصه وتلامسه في العمق، لذا لا بد من أن يكون فطن للشخص الذي أمامه لأي درجة هو آمن ويستحق ثقته فلا ننسي أن البوح فيه كميه معلومات تعتبر قوه للشخص
ونحن عندما نبوح، فإننا نكشف الكثير من أسرارنا وقد نعطي للآخر معلومات مهمة عنا، تتحول فيما بعد لنقاط ضعف من الممكن جدا أن يستغلها البعض ضدنا.
فمن المفترض أن الشخص الذي يريد أن يبوح يجب أن يحدد هدفه من البوح فإذا كان هدفه من الكلام الراحة والفضفضة لمجرد الفضفضة ليس أكثر، هنا يلزمه أن يعلن بوضوح غايته من البوح حتى لا يجابه باللوم والانتقاد والعتاب، ويكون كل ذلك سببا في زيادة ألمه فوق الألم الموجود، أما إذا كان المراد من البوح الحل والنصيحة، فيستطيع الشخص أيضا أن يكون واضحا بطلب المشوره والنصيحة في هذا الموضوع

ما شدني لكتابة هذا المقال انتشار ظاهرة في الفترة الأخيرة وهي موضة الفضفضة لغريب، فهناك من أحب هذه الفكرة واقتنع بها ورأى فيها الأمان، باعتبار أن الغريب سيلتقي به لمرة واحدة، ومن ثم سيفترقان ربما للأبد، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالعالم أصبح عبارة عن شبكة كبيرة من العلاقات، خاصة بعد انتشار الإنترنت والانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي فالبوح متى خرج عن حدوده الآمنة فقد قيمته، وأصبح أمرا مؤذيا لكل من لا يعرف ماذا يريد من التحدث عن خصوصياته، فهناك أشخاص في الحياة يحبون التحدث عن كل شيء ولأي أحد، فيكررون أنفسهم ويتسببون في أذيتها، وقد يدل الإفراط في البوح على وجود اضطراب نفسي معين لدى الشخص.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى