الصحبة النبيلة والصداقة الصدوقة في زمن المصالح والأقنعة بقلم الكاتبة فاطمة الصفيان.
في زمن كثرت فيه العلاقات الهشة وبرزت فيه المصالح فوق القيم، أصبح البحث عن صديق صدوق وصحبة نبيلة أشبه بالبحث عن جوهرة نادرة في بحر من الرمال. الصداقة الحقيقية لم تعد تُقاس بعدد اللقاءات أو الكلمات الجميلة، بل بما تحمله القلوب من إخلاص ووفاء، وبما تُظهره الأفعال حين تُختبر العلاقة في لحظات الجد،
أصدقاء المصالح وأقنعة الظهور ،
لقد أصبحت العلاقات الاجتماعية في كثير من الأحيان ساحة تنافس مادية أو معنوية، حيث تتخفى المصالح وراء كلمات منمقة وابتسامات زائفة. أصدقاء المصالح هم أولئك الذين لا يأتون إلا إذا كانت المنفعة متبادلة، يغيبون في لحظات الحاجة ويظهرون فقط عندما يجدون ما يخدمهم. هم لا يعرفون العطاء، بل ينشدون الأخذ دون تفكير ،
أما أصدقاء الظهور، فهم من يستخدمون علاقاتهم وسيلة لتعزيز مكانتهم الاجتماعية أو الظهور بمظهر الشخص المحبوب والمثالي ، يزكون أنفسهم دون وعي، وينسبون النجاح لهم وحدهم، وينأون بأنفسهم عن أي تقصير أو خطأ، فلا تجد لديهم اعتذارًا ولا اعترافًا بالنقص ،
تجدهم يسلطون الضوء على انفسهم ويلمعون انفسهم
ويسقطون سمعة الأخرين ويقللون من انجازاتهم ، ويحتقرونها و يستصغرونها ويسخرون منهم ،
ولا يعلمون ان افعالهم واقوالهم وتعاملهم هذا لا يرفع سقفاً أبداً ! وإن كان حب الظهور لدى البعض فن وموهبة ؛
وهناك الأنانية والتنافس غير الشريف ،
والأنانية سمة بارزة في بعض العلاقات، حيث يحب البعض الخير لأنفسهم فقط، ولا يتشاركون به مع من يعتبرونهم أصدقاء. هذه الأنانية تقتل روح الصداقة، لأن الصديق الحق يُسعده نجاح صديقه كما يسعده نجاحه الشخصي ،
أما التنافس غير الشريف، فهو الوجه الآخر للأنانية، حيث يتحول بعض الأصدقاء إلى خصوم غير معلنين، يسعون لإفشال بعضهم البعض بدلاً من دعمهم. هذا النوع من الصداقات يكون أكثر سُمّية، لأن المظاهر قد توحي بالحب والتقدير، بينما القلوب تحمل الغيرة والعداء ،
وتبقى وتضل الصحبة النبيلة والصداقة الصادقة ،
في مقابل هذا المشهد القاتم،نورًا يُضيء القلوب ويُبهج الأرواح ، إن الصديق الحقيقي هو من يشعرك بالأمان، من يحزن لحزنك ويفرح لفرحك دون أي حسابات وغيرة ، هو من يساندك في أوقات ضعفك قبل قوتك، ويقف بجانبك دون أن تنتظر منه دعوة ،
الصحبة النبيلة تُبنى على الصدق، والاحترام، والإيثار ، الصديق الصدوق لا ينافق ولا يجامل على حساب الحقيقة، ولا يخشى أن يُذكّرك بخطئك و يأنبك وينبه على ذلك ويعاتب ويلوم من اجل مصلحتك ومحبة فيك ، إنه الذي يُشعرك بأنك لست وحدك، وأن هناك قلبًا آخر ينبض بصدق من أجلك ، وهو من يمسك بيدك إذا شعر انك ستسقط وهو من يرشدك اذا شعر انك اضعت الطريق ،
وهو من لا يخذلك ولا يتركك في منتصف الطريق ،
وهو من يقل ويجبر عثرتك ولا يفشي لك سر ولا يجعل منك اضحوكة ولا يحرجك ولا يقلل من شأنك بل يدعمك يؤازرك ويشجعك في اي امر يسعدك ويرى سعادتة من سعادتك ،
ولكن كيف نحافظ على الصداقة الحقيقية؟
1. الصراحة والوضوح: كن واضحًا وصادقًا مع أصدقائك، فالوضوح هو أساس الثقة ،
2. التقدير المتبادل: عامل أصدقاءك كما تحب أن يعاملوك، ولا تتردد في التعبير عن امتنانك لهم ،
3. التسامح والاعتذار: لا تتردد في الاعتذار إذا أخطأت، ولا تجعل الكبرياء حاجزًا بينك وبين أصدقائك ،
4. الصدق مع الذات: لا تصادق بدافع المصلحة أو المظاهر، وكن صادقًا في نيتك تجاه أصدقائك ،
ختامًا:
إننا بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الصداقة في حياتنا، والتركيز على بناء علاقات قائمة على الإخلاص والمحبة الحقيقية. فالصحبة النبيلة والصداقة الصدوقة لا تُقاس بالعدد، بل بجودة الأرواح التي نتقاسم معها دروب الحياة ، وفي زمن تكثر فيه الأقنعة، يظل الصديق الصادق هو الملاذ الآمن الذي يُعيد إلينا الإيمان بالإنسانية.