الأخلاق ومدينة أفلاطون الفاضلة
تعتبر الأخلاق غاية من أسمى الغايات الإنسانية التي نبحث عنها في حياتنا وممارساتنا الحياتية ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية لايمكننا الاستغناء عنها لأي نوع من الأنواع البشرية ولا لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، من أجل ذلك منذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن وأفضل المهمات لسائر الأديان والمذاهب
فإذا كانت الأخلاق ضرورة في نظر المذاهب والفلسفات الأخرى، فهي في نظر الإسلام أكثر ضرورة وأهمية، ولهذا فقد جعلها مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم، قال تعالى: (وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا) (يونس: 13)، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡم وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ) (هود: 117)، بل إن الإسلام يُخضع الأعمال العلمية للمبادئ الأخلاقية، سواء كان ذلك في مجال البحث، أو في مجال النشر لتوصيله للناس.
وفي الإرث الفلسفي البشريّ هناك يكمن أصل المعنى الأساسي للكلمة، لأن الفلسفة في مهدها اليونانيّ كانت منهمكة إلى درجة كبيرة بتقديم تصور شامل حول مجتمعٍ بشري كل ما فيه يكون في خدمة الإنسان ورفاهيته وسعادته على أن كل ذلك يكون متحققا في الأرض وليس في الماورائيات (ماوراء الطبيعة )
لكن نظرا للوضع المثالي الذي تمّ التفكير به من أجل تحقيق هذا المجتمع السعيد، ونظرا لأنه وضع يصطدم بالشروط البشرية المعقدة للإنسان العاجز عن التخلص نهائيا من نزواته ورغباته المتناقصة مع المثالية نظرا لكل ذلك ظهرت المدينة الفاضلة وكأنها بالفعل مدينة مبنيّة على لا مكان محدد. أي أن وجودها هو في اللاوجود. وظلت أقرب للحلم البشري المشروع وليس من الضروري تحقيق هذا الحلم بحذافيره، لكنه حلم مصمّم ليكون هاديا للإنسان في حياته ودافعا له لكي يحقق أكبر قدر ممكن منه. إنه الهدف العالي السامي الذي يناضل البشر للوصول إليه منذ ولادتهم وحتى مماتهم، ولكل نصيبٌ قليل أو كثيرٌ من الحصول على السعادة والرفاهية، أي لكل منهم حصّة من المدينة الفاضلة المفترضة.
فالمفكر والفيلسوف أفلاطون وضع له منزلة مهمة في عالم الأخلاق Arthritics نظرًا لما تركه من تأسيس مهم يتعلق بالتفصيل في فضائل أهل المدينة من الزاويتين الفردية والجمعية، فحدد أخلاق الأفراد وبين صفاتهم وأشار إلى طبيعة وظائفهم، واضعًا معايير محددة لكل صنف من صنوف القاطنين في المدينة الفاضلة أو السعيدة. ولم يكن تطرقه إلى قضية الأخلاق منعزلاً عن السياسة والدين وعلاقتهما بالحياة المدنية.
وكأن المدينة لا تكون إلا باجتماع هذا الثالوث معًا أعني الأخلاق والسياسة والدين، فضلاً عن أن المرء نفسه متوزع ككيان مستقل بين هذه المناحي الثلاثة سلبًا أو إيجابًا، بمعنى أن كيانه لا يكتمل إلا بتمازج أخلاقه بالسياسة وبالدين، ولا فرق في ذلك بين حضارة قديمة وأخرى حديثة أو حقبة متقدمة وأخرى متأخرة.
ولنا بكتاب جمهورية أفلاطون الذي وضع بخصوصية فلسفية تجعله يحتل منزلة الصدارة بين كل كتب أفلاطون. ويميزه عن غيره وتكمن أهمية هذا الكتاب في ما حوته صفحاته من موضوعات مهمة ذات مساس مباشر بالوجود وما بعده.
ويتضمن كتاب الجمهورية عشرة كتب فرعية هي على التوالي: العدالة
/المدينة السعيدة/
دستور المدينة/الفضائل الأربعة/
المسألةالجنسية/الفلاسفة/المثل/الحكومات الدنيا/المستبد/التقليد وجزاء الفضيلة.
خلاصة القول إن للأخلاق أهمية كبيرة في استقرار المجتمعات وتماسكها، والمحافظة عليها من عبث العابثين، وتشويه المغرضين، فعلينا جميعًا التحلي بالأخلاق الحسنة، وترك الأخلاق المذمومة، في ذواتنا ومؤسساتنا، لأنها سوف تساعدنا على السمو بأنفسنا، والنهضة بمجتمعنا بأكمله