الشهادات الأكاديمية: بين وهم الكفاءة وحقيقة الوعي بقلم المستشار الدكتور/ الحسن بن ثابت
تُعد الشهادات الأكاديمية اليوم رمزًا للإنجاز العلمي وإثباتًا على اجتياز مراحل تعليمية محددة. ومع ذلك، يطرح الواقع تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الشهادة والوعي، بين التحصيل الأكاديمي والفهم الحقيقي. هل كل من حمل شهادة أكاديمية يُعد بالضرورة واعيًا أو فاهمًا؟
إن الشهادة ليست سوى دليل على اجتياز متطلبات دراسية رسمية، لكنها لا تكشف عن عمق الوعي أو القدرة على التفكير الناقد. فالوعي الحقيقي لا يُكتسب داخل القاعات الدراسية فحسب، بل هو نتاج تجربة حياتية غنية، وتأمل في الواقع، وفهم عميق للعلاقات الإنسانية والمجتمعية.
على مر التاريخ، أثبت كثيرون أن الحكمة والوعي لا يرتبطان بالضرورة بحيازة الأوراق الأكاديمية. هناك من لم تطأ أقدامهم أبواب الجامعات، لكنهم قدموا رؤى غيرت مجرى التاريخ وأثرت في مجتمعاتهم بعمق. في المقابل، قد نجد حاملي الشهادات العليا يفتقرون إلى القدرة على استيعاب الواقع وتحليل تحدياته، إذ انشغلوا بالتحصيل النظري دون أن يتعمقوا في جوهر القضايا الحياتية.
الفهم والوعي هما انعكاس للتجربة والممارسة، وليس مجرد تحصيل أكاديمي. الشهادة قد تكون جواز سفر إلى الفرص الوظيفية، لكنها ليست ضمانًا للنجاح أو التميز. النجاح الحقيقي يتطلب مزيجًا من المعرفة النظرية، المهارات العملية، التفكير الناقد، والقدرة على التأثير الإيجابي في المحيط.
إن مجتمعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر في معايير تقييم الأفراد. فالتعليم الأكاديمي، وإن كان مهمًا، ليس كافيًا لإنتاج أجيال واعية قادرة على مواجهة التحديات وصناعة الفارق. وحدها التجربة، المقترنة بالتفكير الناقد والرؤية المتعمقة، هي ما يخلق الفهم الحقيقي والوعي الذي يحتاجه عالمنا اليوم.
وفي النهاية، تظل الحقيقة الكبرى أن الشهادات قد تفتح الأبواب، لكنها ليست سوى البداية. الطريق إلى النجاح لا يمر عبر الأوراق فقط، بل من خلال القدرة على التأثير، الابتكار، والتكيف مع متغيرات الحياة. فهل ستكون الشهادات مجرد أداة للوصول إلى الفرص، أم ستكون الجسر نحو الوعي الحقيقي والقدرة على التغيير؟ الإجابة ليست في الكتب، بل في أفعالنا ورؤانا. فالمستقبل ليس حكراً على أصحاب الشهادات فقط، بل على أولئك الذين يمتلكون الشجاعة ليتجاوزوا حدود التعليم الأكاديمي ويصنعوا الفارق في واقعهم ومجتمعاتهم.